الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.الخبر عن تملك السلطان مدينة مالقة من يد ابن اشقيلولة: .الخبر عن تظاهر ابن الأحمر والطاغية على منع السلطان أبي يوسف من إجازة ابن الأحمر واصفاق يغمراسن بن زيان معهم من وراء البحر على الأخذ بحجزته عنهم وواقعة السلطان على يغمراسن بخرزوزة: هل من معيني في الهوى أو منجدي ** من متهم في الأرض أو من منجد وصدر جوابها من نظم عبد العزيز شاعر السلطان يعقوب بن عبد الحق بما نصه: لبيك لا تخش اعتداء المعتدي الخ وكذلك أجاب عنها أيضا مالك بن المرحل بقوله: شهد الإله وأنت يا أرض اشهدي الخ فأجابهما أبو عمرو بن المرابط كاتب ابن الأحمر بقوله: قل للبغاة وللعداة الحسد الخ ولما أجاز السلطان يعقوب بن عبد الحق الإجازة الثانية سنة ست وسبعين وستمائة كما نذكره صار ابن الأحمر إلى الاستعتاب والرضا ولقي يعقوب بن عبد الحق فأنشد كاتبه أبو عمرو بن المرابط يوم اجتماعها قوله بشرى لحزب الله والإيمان الخ ولما انقضى المجلس أمر السلطان شاكله عبد العزيز بمساجلة قصيدته وأنشدها ثاني المجلس بحضرة ابن الأحمر ونصها اليوم كن في غبطة وأمان الخ ثم كان أثناء ذلك ما وقع من استيلاء السلطان يعقوب بن عبد الحق على مدينة مالقة والغربية جل عمله بعد مهلك صاحبها أبي محمد عبد الله بن أشقيلولة فبرم لذلك وخيل عليه ففزع إلى مداخلة الطاغية في شأنه واتصال يده بيده وأن يعود إلى مكان أبيه من ولايته ليدافع به السلطان وقومه عن أرضه ويأمن معه من زوال سلطانه لما كانت كلمة الإسلام حجزا دونه فاهتبل الطاغية غرتها ونكث عهد أمير المسلمين ونقض السلم ونبذ إليه العهد واغزى أساطيله الجزيرة الخضراء حيث مسالح السلطان وعساكره وأرست بالزقاق حيث فراض الجواز هنا وانقطع المسلمون من جنود السلطان وقومه وراء البحر ويئسوا من صريخه وانتبذ عمر ابن يحيى بن محلى عن قومه بمكان إمارته مالقة وكان بنو محلى هؤلاء من كبار قومهم بطوية وكانوا حلفاء لبني حمامة بن محمد منذ دخلوهم المغرب وأصهر عبد الحق أبو الأملاك إلى أبيهم محلى في ابنته أم اليمن فكان من ولدها السلطان يعقوب بن عبد الحق وكانت امرأة صالحة خرجت إلى الحج سنة ثلاث وأربعين وستمائة فقضت فريضة الله عليها وعادت إلى المغرب رابعة من السنين سنة سبع وأربعين وستمائة ثم خرجت ثانية سنة اثنتين وخمسين وستمائة فتطوعت بحجة أخرى وهلكت بمصر منصرفها من تلك السنة سنة ثلاث وخمسين وستمائة فكان لبني محلى أبيها مكان من الدولة ودالة على السلطان لخؤلتهم ووشايج قرابتهم وغنائهم في قومهم ولما استولى السلطان على حضرة الموحدين مراكش عقد لمحمد بن علي بن محلى على جميع أعمالها فكانت له بالاضطلاع بها مقاما محمودة واتصلت ولايته عليها من لدن سنة ثمان وعشرين إلى سنة سبع وثمانين وستمائة ثم كان مهلكه أيام يوسف بن يعقوب كما نذكر ولما نزع محمد بن أشقيلولة إلى السلطان بالجزيرة سنة ست وسبعين وستمائة متجافيا له عن ولاية مالقة بعد وفاة أبيه الرئيس أبي محمد واستولى السلطان عليها واعتزم على الإجازة كلها قدمناه وعقد على مالقة والغربية وسائر ثغورها وأعمالها لعمر بن يحيى بن محلى وكان أخوه طلحة بن يحيى ذا بأس ومرامة وقوة شكيمة واعزاز على السلطان بمكان الخؤلة وهو الذي قتل يعقوب بن عبد الحق بغبولة سنة ثمان وستين وستمائة كما قلناه وظاهر فتح الله الهدراي مولى السلطان ووزيره على قتال أبي العلاء بن أبي طلحة بن أبي قريش عامل المغرب بكدية العرايش بظاهر فاس سنة اثنتين وستين وستمائة ونزع سنة أربع وسبعين وستمائة إلى جبل آزروا عند مرجع السلطان من إجازته الأولى فاستزله ورجعه إلى مجلسه من جملته ثم نزع من الجزيرة إلى غرناطة سنة ست وسبعين وستمائة عند مرجع السلطان من أمر مالقة وأجاز البحر إلى بلاد الريف ثم رجع إلى القبلة وأقام بين بني توجين ثم أجاز البحر إلى الأندلس سنة سبع وسبعين وستمائة عندما أضرم نار هذه الفتنة بين هذا السلطان وبين ابن الأحمر والطاغية واحتل أسطول النصارى بالزقاق وانقطعت عساكر السلطان وراء البحر وأحس أخوه عمر صاحب مالقة بإظلام الجو بينه وبين السلطان بما كان من أمر أخيه طلحة من قبل فلاطفه ابن الأحمر عند استقراره بغرناطة في مداخلة أخيه عمر في النزول عن مالقة والاعتياض عنها بشلوبانية والمنكب طعمة وخاطبه في ذلك أخوه طلحة فأجاب وخرج ابن الأحمر بعساكره إلى مالقة وتقبض عمر بن محلى على زيان بن بو عياد قائد بني مرين ومحمد بن أشقيلولة وأمكن ابن الأحمر من البلد فداخلها آخر رمضان من سنته وأنزل ابن محلى بشلوبانية واحتمل ذخيرته وما كان السلطان ائتمنه عليه من المال والعدد الجهادية واتصلت يد ابن الأحمر بيد الطاغية على منع أمير المسلمين من الإجازة وراسلوا بن مراسن بن زيان من وراء البحر وراسلهم في مشاقة السلطان وإفساد ثغوره وإنزال العوائق به المانعة من حركته والأخذ بأذياله عن النهوض إلى الجهاد وأسنوا فما بينهما الاتحاف والمهاداة وجنب يغمراسن إلى ابن الأحمر ثلاثين من عتاق الخيل مع ثياب من عمل الصوف وبعث إليه ابن الأحمر صحبة ابن مروان التجاني كفء ذلك عشرة آلاف دينار ثم يرض بالمال في هديته ورده وأصفقت أيديهم جميعا على السلطان ورأوا أن قد بلغوا في إحكام أمرهم وسد مذاهبه إليهم واتصل الخبر بأمير المسلمين وهو بمراكش كان صمد إليها مرجعه من الغزو في شهر المحرم فاتح سبع وسبعين وستمائة لما كان من عيث العرب جشم بتامسنا وإفسادهم السابلة فنقف أطرافها وحسم أدواءها ولما بلغه خبر ابن محلى ومالقة ومنازلة الطاغية للجزيرة نهض لثالثة من شوال يريد طنجة ولما انتهى إلى تامسنا وافاه الخبر بنزول الطاغية على الجزيرة وإحاطة عساكره بها سادس شوال بعد أن كانت أساطيله منازلتها منذ ربيع وأنه مشرف على الهامها وبعثوا إليه يستعدونه فاعتزم على الرحيل. ثم اتصل به الخ بخروج مسعود بن كانون أمير سفيان من جشم ببلاد نفيس من المصامدة خامس ذي القعدة وأن الناس اجتمعوا إليه من قومه وغيرهم فكر إليه راجعا وقدم بين يديه حافده تاشفين بن أبي مالك ووزيره يحيى حازم وجاء على ساقتهم وفروا أمام جيوشه وانتهب معسكرهم وحللهم واستباح عرب الحرث ابن سفيان ولحق مسعود بمعقل السكسيوي ونازله السلطان بعساكره أياما وسرح ابنه الأمير أبا زيان منديل إلى بلاد السوس لتمهيدها وتدويخ أقطارها فأوغل في ديارها وقفل إلى أبيه خاتم سنته واتصل بالسلطان ما نال أهل الجزيرة من ضيق الحصار وشدة القتال وأعواز الأقوات وأنهم قتلوا الأصاغر من أولادهم خشية عليهم من معرة الكفر فأهمه ذلك وأعمل النظر فيه وعقد لولى عهده ابنه الأمير أبي يعقوب من مراكش على الغزو إليها وأغزى الأساطيل في البحر إلى جهاد عدوهم فوصل إلى طنجة لصفر من سنة ثمان وسبعين وستمائة وأوعز إلى البلاد البحرية لاعداد الأساطيل بسبتة وطنجة وسلا وقسم الأعطيات وتوفرت همم المسلمين على الجهاد وصدقت عزائمهم على الموت وأبلى الفقيه أبو حاتم العزفي صاحب سبتة لما بلغه خطاب أمير المسلمين في ذلك البلاء الحسن وقام فيه المقام المحمود واستقر كافة أهل بلده فركبوا البحر أجمعين من المحتلم فما فوقه. ورأى ابن الأحمر ما نزل بالمسلمين في الجزيرة وإشراف الطاغية على أخذها فندم في ممالأته ونبذ عهده وأعد أساطيل سواحله من المنكب وألمرية ومالقة مددا للمسلمين واجتمعت الأساطيل بمرفأ سبتة تناهز السبعين قد أخذت بطرفي الزقاق في أحفل زي وأحسن قوة وأكمل عدة وأوفر عدد وعقد عليهم الأمير أبو يعقوب رايته وأقلعوا عن طنجة ثامن ربيع الأول وانتشرت قلوعهم في البحر فأجازوه وباتوا ليلة المولد الكريم بمرقى الجبل وصبحوا العدوة وأساطيلهم تناهز أربعمائة فتظاهروا في دروعهم وأسبغوا من شكتهم وأخلصوا لله عزائمهم وصدقوا مع الله نياتهم وتنادوا بالجنة شعارهم ووعظ وذكر خطباؤهم والتحم القتال ونزل الصبر ولم يكن إلا كلاولا حتى نضحوا العدو بالنبل فانكشفوا وتساقطوا في العباب فاستلحمهم السيف وغشيهم اليم وملك المسلمون أساطيلهم ودخلوا مرقى الجزيرة وفرضتها عنوة فاختل معسكر الطاغية وداخلهم الرعب من إجازة الأمير أبي يعقوب ومن معه من الحامية فأفرج لحينه عن البلد وانتشرت النساء والصبيان بساحته وغلبت المقاتلة كثيرا من العسكر على مخلفهم فغنموا من الحنطة والأدم والفواكه ما ملأ أسواق البلد أياما حتى وصلتها الميرة من النواحي. وأجاز الأمير أبو يعقوب من جينه فأرهب العدو في كل ناحية وصده عن الغزو شأن الفتنة مع ابن الأحمر فرأى أن يعقد مع الطاغية سلما ويصل به لمنازلة غرناطة يدا وأجابه إلى ذلك الطاغية رهبة من بأسه وموجدة على ابن الأحمر في مدد أهل الجزيرة وبعث أساقفته لعقد ذلك فأجازهم الأمير أبو يعقوب إلى أبيه أمير المسلمين فغضب لها ونكر على ابنه وزوى عنه وجه رضاه ورجعهم إلى طاغيتهم مخفقي السعي وأجاز أبو يعقوب ابن السلطان إلى أبيه ومعه وفد أهل الجزيرة فلقوا السلطان بمكانه من بلاد السوس وولى عليهم ابنه أبا زيان فنزل بالجزيرة وأحكم العقدة مع الطاغية ونازل المريلة من طاعة ابن الأحمر برا وبحرا فامتنعت عليه وانضوى إليه أهل الحصون الغربية بطاعتهم حذرا من الطاغية فتقبلهم ثم جاءه المدد من المغرب ونازل رندة فامتنعت والطاغية أثناء ذلك يجوس خلال الأندلس ونازل ابن الأحمر بغرناطة مع بني أشقيلولة وابن الدليل ثم راجع ابن الأحمر مسالمة بني مرين وبعث لأبي زيان ابن السلطان بالصلح واجتمع معه بأحواز مريلة كما نذكر بعد. ولما ارتحل السلطان من معسكره إلى جبل السكسيوي يريد السوس ثم أغزى العساكر ورجع من طريقه إلى مراكش حتى إذا انقضت غزاة البربر رجع إلى فاس وبعث خطابه إلى الآفاق مستنفرا للجهاد وفصل في رجب من سنة ثمان وسبعين وستمائة حتى انتهى إلى طنجة وعاين ما اختل من أحوال المسلمين في تلك الفترة وما جرت إليه فتنة ابن الأحمر من اعزاز الطاغية وما حدثته نفسه من التهام الجزيرة الأندلسية ومن فيها وظاهره على ابن الأحمر منافسوه في رياسته بنو أشقيلولة فاستجره الرئيس أبو الحسن بن أبي اسحق صاحب وادي آش ونازل معه غرناطة سنة تسع وسبعين وستمائة خمسة عشر يوما ثم أفرجوا ولقيتهم عساكر غرناطة من زناتة بعد ذلك من سنتهم وغلبهم طلحة بن محلى وتاشفين بن معطى كبير تيربيغين بحصن المسلى فأظهرهم الله عليهم وهلك من النصارى ما يناهز سبعمائة من فرسانهم واستشهد فيها من أعياص بني مرين عثمان بن محمد بن عبد الحق واستجر الطاغية سنة ثمانين وستمائة بعدها الرئيس أبو محمد عبد الله أخو صاحب وادي آش إلى منازلة غرناطة فنازلها الطاغية وأقام عليها أياما ثم ارتحل وقد اعتزلهم وأشفق السلطان على المسلمين وعلى ما نال ابن الأحمر من خسف الطاغية فراسله في الموادعة واتفاق الكلمة وشرط عليه النزول عن مالقة فرجع السلطان إلى إزالة العوائق عن شأنه من الجهاد وكان من أعظمها فتنة يغمراسن واستيقن ما دار بينه وبين ابن الأحمر والطاغية ابن أخي أدفونش من الاتصال والاصفاق في تجديد الصلح والاتفاق فلج وكشف الوجه في العناد وأعلن بما وقع بينه وبين أهل العدوة مسلمهم وكافرهم من الوصلة وأنه معتزم على طي بلاد المغرب فصرف أمير المسلمين عزمه إلى غزو يغمراسن وقفل إلى فاس لثلاثة أشهر من نزوله طنجة فدخلها آخر شوال وأعاد الرسل إلى يغمراسن لإقامة الحجة عليه والتجأ بمسالمة بني توجين والتجافي عنهم لموالاتهم أمير المسلمين فقام يغمراسن في ركائبه وقعد ولج في طغيانه وارتحل أمير المسلمين من فاس سنة تسع وسبعين وستمائة وقدم ابنه أبا يعقوب في العساكر وأدركه بتازى ولما انتهى إلى ملوية تلوم في انتظارالعساكر ثم ارتحل إلى تاسة ثم تاقيا وصمد إليه بغمراسن بحشود زناتة والعرب بحللهم وكافة ناجعتهم والتقت عيون القوم فكانت بينهم حرب وركب على آثارهما العسكران والتحم القتال وكان الزحف بخرزوزة من ملعب تيفني ورتب أمير المسلمين مصافه وجعل كتيبته وكتيبة ابنه الأمير أبي يعقوب جناحين للعسكر وا شتد القتال سائر النهار وانكشف بنو عبد الواد عندما أراح القوم وانتهب جميع مخلفهم وما كان في معسكرهم من المتاع والكراع والسلاح والفساطيط وبات عسكر أمير المسلمين ليلتهم في صهوات خيلهم واتبعوا من الغد آثار عدوهم واكتسحت أموال العرب الناجعة الذين كانوا مع يغمراسن وامتلأت أيدي بني مرين من نعمهم وشائهم ودخلوا بلاد يغمراسن وزناتة ووافاه هنالك محمد بن عبد القوي أمير بني توجين لقيه بناحية القصبات وعاثوا جميعا في بلاده نهبا وتخريبا ثم أذن لبني توجين في اللحاق ببلادهم وأخذ هو بمخنق تلمسان متلوما لوصول محمد بن عبد القوي وقومه إلى منجاتهم من جبل ونشريس حذرا عليهم من غائلة يغمراسن ثم أفرج عنها وقفل إلى المغرب ودخل فاس شهر مضان من سنة ثمانين وستمائة ثم نهض إلى مراكش فاحتل بها فاتح إحدى وثمانين وستمائة بعدها وسرح ابنه الأمير أبا يعقوب إلى السوس لتدويخ أقطاره ووافاه بمراكش صريخ الطاغية على ابنه شانجة الخارج عليه فاغتنم الفرصة في فساد بينهم لقضاء أربه من الجهاد وارتحل مبادرا بالإجازة إلى الأندلس والله تعالى أعلم.
|